
إذا تمعنت عزيزي القارئ في تاريخ أس بي أس عربي24 ستجد أن أنطوان سلامة من أقدم مراسلي الاذاعة. حيث سمع صوته للمرة الأولى على أثيرِ موجات الإف إم الخاصةِ بنا في العام 1997. حتى آن ذاك، كان أنطوان سلامة صحفياً ومذيعاً ذا خبرة 13 عاماً، جمعها خلال عمله كمذيع في الاذاعة اللبنانية ومسؤول في هيئة تحرير أخبار “صوت الحق”.
عمل أنطوان مع أكبر المؤسسات الاعلامية في لبنان، وتدرج في المناصب حتى وصل إلى سكرتير تحرير أول تلفزيون لبنان. عرفناه هنا كمراسلنا الموثوق به الذي نقل للجالية العربية أخبار بيروت في أصعب لحظاتها، كاغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في 2005 ولاحقاً في نفس العام “ثورة الأرز” والخروج السوري من لبنان.
إيجابي إلى أقصى الحدود: الوجه الأكثر تحبباً لأنطوان سلامة
ولكن بعيداً عن الوجه المثبتة أعينه على ساحات القتال والحروب وكل ماتحمله الأخبار مما يغص القلوب، يقول أنطوان إن له وجوهٌ عديدة جميعها متصالحة.
وجوهي تتأرجح بين مهنة الصحافة، مهنة المتاعب والشقاء، والوجه الآخر الأكثر تحبباً إلى، الذي يحب الإنسان والذي يحب الوطن، والأرض وهذه الأمة التي أنتمي إليها
عندما سُئِلَ عن مصدر سعادته، أجاب أنطوان بأنه يقدر كل شئٍ في الحياة ويقدر أنه يعيش ويحيا في “هذه التلال الخضراء السنديان والشجر والبحر الأبيض المتوسط.” حتى أنه اسمى أولاده فرح وباسم ليكن اسميهما بمثابة رسالة تحثهم على حب الحياة والدأب على توليد الطاقة الإيجابية مهما كانت الظروف.
فيؤكد أنطوان أنه يعيش في سلامٍ داخلي عميق، ويقضي معظم وقت فراغه “يبحث عن هذه الذات التي تسبح في فضاء واسع جداً هي المجرة”. وربما يعود السبب في تأمل أنطوان العميق ونظرته في الحياة إلى دراساته المعمقة في الفلسفة والعلوم الاجتماعية في بداية حياته.
الهجرة مكلفة والثمن باهظ
ومع طول عمره لم يفكر أنطوان بالهجرة قط. وبالرغم من خيبة ظنه في ما آل إليه حال لبنان إلا أن فكرة الهجرة تمثل له ما يفوق طاقة تحمله. شبهها باقتلاع شجرة من جذورها. ليس لها إلا أن تموت. فهو من ناحية، يصف لبنان على أنه وطن الحرية والتعددية واحترام الآخر. ومن الناحية الأخرى يقول إنه يعيش نوعٌ من الغصة.
لبنان ينهار الآن بعد 100 سنة على ولادته وهو ما يدفع على الحزن والكآبة والإحباط. ومع ذلك لا يمكنني أن أهاجر. كأنك تقتلع شجرة من جذورها
ويقول أنطوان إنه إذا سأله أولاده عن الهجرة، فلن تكن لديه الأدوات لإقناعهم بالعدول عن رأيهم.
“في الشرق، وفي لبنان هناك شئ يستحق الحياة. علينا أنا نبقى ونستمر كما قال محمود درويش. أتمنى أن أكون مثل ما يحلم إيليا أبو ماضي: “وطن النجوم أنا هنا حدق أتذكر من أنا؟” لا ؟ أستطيع أن أترك ظلال طفولتي في هذا البلد وأن أهاجر.”
الحقيقة المرة مع رفيق الحريري
استرسل أنطوان في الحديث أيضاً عن الحياد في الصحافة وقال إنه دائماً منحاز ضد العنف. “عندما أغطي مشاهد العنف أفقد مهنيتي وهي فوق طاقتي. لا أستطيع أن أغلب العقل على العاطفة.” وفي سياق الحديث عن الحياد والصراع ما بين العقل والعاطفة، تذكر حواراً خاصاً دار بينه وبين رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري.
كان أنطوان سلامة على متن الطائرة الخاصة بالرئيس الحريري. وعندما انفرد الرجلان، وجه الحريري سؤالاً رفض أنطوان أن يفصح عنه. واشترط على أنطوان أن يعطيه إجابة نيئة وغير مفلترة. اعترف أنطوان بأن جوابه كان قاسياً لأنه كان “حقيقياً وواقعياً”. قام الحريري وغادر مكتبه الصغير دون أن ينطق كلمة وتوجه إلى غرفة نومه الخاصة في الطائرة. لم يعرف أنطوان إذا كان أثار استياء رئيس الوزراء في ذلك الوقت. إلا أنه أخبرنا كيف أصبح الحريري يتودد إلىه أكثر في الجولات الخارجية التالية ويثق في آرائه. استمرت علاقتهما حتى انتهت في فترة من الفترات.
ويقول أنطوان سلامة “المسؤول حتى في الشرق يحتاج إلى صحفي يكون صادق معه. الساسة في لبنان يعرفون رأيي فيهم فأنا لا أكن لهم الاحترام الكبير. أحملهم مسؤولية الانهيار الاقتصادي والنقدي. نقيس الساسة بمقياس النتيجة والنتيجة 100 مليار دولار. ولكنه أيضاً يحمل اللبنانيين المسؤولية، فعلى حد قوله إن لبنان يتمتع بنظام ديمقراطي ولدى المواطنين قوة الاختيار والمحاسبة.
أصعب موقف: وفاة والدته
وصف أنطوان اذاعة خبر وفاة والدته عليه بـ”نوعٍ من الجَلد وكأنه عقاب سماوي. أعز ما لدي في هذه الحياة توارى عن الأنظار وأصبحت علاقتنا وجدانية فقط.”
وقال أن أكثر ما يفتقده من علاقته بأمه، قهوة الصباح وهي تعدها من المطبخ اللبناني وكلماتها المدللة له مثل “يا تقبرني وتسلملي والله يوفقك ويفرشلك دربك زرع وورود.” ويصر أنطوان أنه حاول أن يتخطى وفاتها من خلال التواصل اللا مرئي معها ولكن “فقدان الأم شئ قاسي جداً”.
هواياته الزراعة وأمنيته في الصغر الرسم والنحت
أخبرنا أنطوان برحابة صدر أن هوايته المفضلة هي زراعة الخضار، حيث تدخل عليه بهجة غير عادية ويستمتع كثيراً بجني ثمار عمله بعد زراعة الطماطم وغيرها من الخضراوات. وقال إنه لو لم يكن صحفياً لتمنى أن يكون رساماً أوفلاحاً أو نحاتاً.