من الارشيف

جميل ميلاد الدويهي كلود ناصيف حرب : مدينتي مدينة الدفء والحنان

تأثير الفعل في نصّ “مدينتي مدينة الدفء والحنان”
لكلود ناصيف حرب

تهيمن الأفعال على نص شعري أنيق ورقيق للأديبة كلود ناصيف حرب.
وما يهمني هو روحية النص عند كلود، هذه الروحية الفاعلة التي تحدث خرقاً في الصياغة…
فقلما نجد عندها، في هذا النص بالذات جملة إسمية، إذ تهيمن الأفعال بنسبة تكاد تصل إلى مئة في المئة من الجمل والتعابير: أخاطب، اتأمل، أنتظر، أخبرتك، سأزرعها…
والجملة الفعلية تعكس إرادة صاحبها في الفعل والتغيير، بينما الجملة الإسمية تعكس الجمود والمراوحة.
وفي رأيي أن كلود هي امرأة فاعلة في مجتمعها، اشتغلت كإعلامية، وكناشطة اجتماعية وإنسانية، وانتقلت من الإعلام إلى الأدب، في خطوة جريئة ربّما لم يكن الكثيرون يتوقعونها، وهي من القلة الذين أحدثوا صدمة في هذا التطور المهم،
وواجهت بصمت وإصرار، وشجاعة، كفلاحة صغيرة تعمل في الأرض ولا تتكلم، حتى إذا طلع الزرع كان نبتها جميلاً، وغالي الثمن.

وها هي نصوص كلود تبرهن للناس جميعاً أنه مهما طال الزمن فالفعل سيعطي أكله، وبالنسبة لي، هذا أمر يفرحني لأنني في مشروعي المضيء،
راهنت على أن كلود في خطواتها الأولى ستترك أثراً على الرمال،
لكنّها في خطواتها اللاحقة ستحفر على صخر للأزمنة اللاحقة. وأطمئن الآن إلى أن كلود شقت طريقها،
وهي فوق الشبهات والتشابيه،
هي في الأفعال التي تتصرّف وتغيّر في الواقع.

ماذا تريد كلود بالفعل من الحبيب؟
قبل أن أجيب عن هذا السؤال، اعترف بأن كلود ناصيف حرب امرأة قوية. هي ليست من صنف النساء التقليديات اللواتي يعتقدن أن دور المرأة هو أن تكون ربة منزل. وعلى الرغم من معرفتي حديثاً بكلود،
ولقائي بها لم يكن إلا في أوقات قليلة، يحكمها العمل والنشاط الإعلامي أو الثقافي…
ورغم ذلك فقد لاحظت أنها تعرف ما تريد، وتريد أن تفعل ما تفكّر به، ولا يهمها ما يقوله الآخرون إلا ما يقوله ضميرها وتفكيرها. وهي امرأة مؤمنة تتردّد على الكنائس والمزارات، وتضيء الشموع، وتحرق البخور… وتصلي،
وفي الوقت نفسه تكتب مشاعرها وحنينها، وهي “سيدة الحنين”،
وتطغى هذه الكلمة على نصوصها، ومنها في النص الذي بين أيدينا، وفيه حديث رقيق عن لقاء،
ربما في الحلم أو في اليقظة، لقاء مع حبيب لا نعرفه، وقد لا يكون موجوداً…
فهو من صنع خيال كلود. تخاطبه بجرأة قد لا يكون سبقها إليها أحد بعد جورج صاند…
وتحدثه عن الشوق والأنتظار والقبلة التي تسرقها منه بينما هو يتحدث ويغضب.
فلا مانع عند كلود “القوية” أن تأخذ هي القبلة بينما حبيبها يحادثها، تأخذها عنوة أو عن طريق السرقة في النص:
“وانا أسرق من غضبك قبلة سريعة اخطفها واهرب بها إلى أعماق قلبي أتركها هناك تروي عطش حبي واشتياقي إليك..
وهكذا نبقى…
لا مانع عندي ..
انت تغضب وانا أسرق قبلات لا تعرف بها إلا في الربيع القادم..
سازرعها في حديقة الزهور في مدينتي”..

وهكذا تصبح القبلة الواحدة قبلات. تزرعها كلود في حديقة الزهور، حديقة الأمل بلقاء قد يأتي أو لا ياتي.

وقد تبعتُ النص حتى آخره، فلم أجد وظيفة لهذا الحبيب، هو كومبارس على مسرح، وهي الفاعلة التي أخذت الوظائف كلها: الكتابة، الشوق، الانتظار، اللقاء، القبلة، الحنين…
ففي المقطع الأول:
اخاطب بصمت….
حتى النسيان” يظهر جلياً أن كل الأفعال والمواقف تختص بكلود وحدها.
وهذه ليست أنانية في الحب، بل هي تعبير عن قوتها وجرأتها في مقاربة موضوع الحبّ، من غير أن تراعي الظروف الاجتماعية الشرقية التي طبعت المرأة بطابع الحياء والانزواء.

وفي المقطع الثاني: “بالأمس… شوقي إليك” يظهر الحبيب أكثر،
لكن في أفعال تحددها كلود وليس هو، بينما كل الأفعال الباقية:
“افلسف، أسرق، أزرعها، أحميها، أفرش، اتركها، أبقى، أزيتها”
فهي خاصة بكلود،
لأنها محور الحركة والفعل.

وهكذا تمضي كلود في رحلة جريئة مع الحب، تبادر فيه المرأة وتبوح بمكنونات صدرها، وعواطفها، غير آبهة إلا بما تريده وما تتمناه. فهي “شهرزاد” كما يسميها الناقد الجزائري ابراهيم مشارة، لأنها انقلبت على الذات الشرقية المترددة، وأخذت خطاً يشبهها،
هو خط كلود ناصيف حرب المتسلحة بالصدق والوضوح والإنسانية، بل هي في نظري أليسار الفينيقية التي تبني وتقاوم الظروف الصعبة، وتبني جسراً إلى المستحيل،

ومن أفكار اغترابية تشع هذه المرأة الراقية نجمة ساطعة في سماء الأدب، وستشع دائماً …
ولن يطول الانتظار.

جميل الدويهي
أفكار اغترابية

إليكم النص الجميل
لكلود ناصيف حرب

أخاطب بصمت عينيك
أتامل بحنان وجهك
أنتظر بشوق دقات قلبك ..

أراقب سحر حضورك ..
أن تكون او لا تكون
ليست تلك المسألة..
المسألة هي وماذا بعد؟ ..
نعم ماذا بعد؟ ..
ماذا تريد أكثر من ذلك ؟..

بالأمس لونت مدينة الحب
لكل العاشقين
بصور رسمناها معاً
تحت ضوء القمر والنجوم..
غنّت لنا حينها وشوشات السكون..

اخبرتك حين كنت اقطف لك وروداً من أشعاري
وقلائد حروفي
بأن لا الألم يعرفني
ولا البعد بعذبني..
انما دقات قلبك لمَن تكون؟ ..

ها انا أمضي اعواما
ارسم لك من خصل شعري الأسود الطويل
لوحة من حرير ..
مسحتُ عنها غبار النسيان.

بالأمس وأول أمس
وكل الأمسيات
كنت هنا مع قصائد حب
وحكايات الف ليلة وليلة

اترك لك باقة فرح
تحبّها الفراشات والطيور…

فلماذا يا حبيبي لم تعجبك؟ ..
لا أعلم لماذا ..

ربما الالوان لم تنسجم مع احساسك العالي..
ربما خيوط الحرير
كاتت أقوى من بصمات اقلامي..

لا أعلم..
آه … ليتني أستطيع أن أعلم…
حسنا… أرجوك لا تنزعج ..
دعنا نتفق ..

انا لا افلسف الأمور..
فدعني أخبرك عن حالي..
أو … الأفضل ان تتكلم أنت…

انت تتكلم
وانا أسرق من غضبك قبلة سريعة
اخطفها واهرب بها إلى أعماق قلبي

أتركها هناك تروي عطش حبي
واشتياقي إليك..

وهكذا نبقى…
لا مانع عندي ..
انت تغضب وانا أسرق قبلات
لا تعرف بها إلا في الربيع القادم ..

سازرعها في حديقة الزهور في مدينتي ..
مدينة الدفء والحنان ..
سافرش عليها من نور عيني ..
ساحميها من ليالي البرد القارسة،
حين تشتد عليها رياح الجفاء والبعد والحيرة ..

وستبقى انت هناك
على مقعد الضباب
وسابقى انا هنا
ازينها من حنان قلبي
ودموع شوقي إليك..

قل لي ما في بالك الآن،
واقول لك لمن كانت لوحتي ..
لا تقلق فأنا أعرف ما في بالك ..

اقرأ سطور الحيرة والغيرة في شفتيك ..
آه منك…

كتاباتي وحروفي ولوحاتي كلها لك ..
سأحتفظ بها في مدينتا..

إنها لنا وحدنا ..
المفتاح الذهبي بين يديك ..
لا تحمله إلا في قلبك
كي لا تنساه على الطرقات
في غربة النسيان ..

ربما لن آراك غدا او بعد غد ..
لكنني ارافقك مع كل دقة من دقات قلبي
هي لك وحدك ..

وان سألت اليوم عنك …
فلانني كنت مشتاقة

ان اسافر عبر اعماق روحك ..
لاخطف منك قبلة نقية
واضعها نجمة البحر الهادئ
على أبواب مدينة الحب..

لا تتأخر..
فأنا هكذا دوما انتظرك …
هل ستأتي؟..
#كلودناصيفحرب
صورة تذكارية
كلود ناصيف حرب
وسايمون حرب
مع الأديب والشاعر د.جميل ميلاد الدويهي العبقري اللبق في عرس الكلمة٣ الذي كان برعاية مشروعه أفكار اغترابية ولادب مهجري راق من استراليا إلى أنحاء العالم.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى