
أما آن لنا اليوم، بل في هذه السَّاعات والدَّقائق التي نموت فيها ألف مرَّة؛ وبعد كلّ هذا الانهيار، الماليِّ والاقتصاديِّ والسِّياسيِّ والاجتماعيِّ، الذي يعيشه اللبنانيون؛ أن نُعيد التَّفكير مَلِيَّاً في ما أوصلنا إليه اعتماد هذا النِّظام القائم على الطَّائفيَّة السِّياسيَّة والمذهبيَّة الدِّينيَّة، والنَّاهض على بازار المحاصصة المنطلقة منه؟
أما آن لنا، بعد كلِّ هذا المَرار الذي نُعانيه، مِن أنَّ نُدْرِكَ أنَّ هذا النِّظام الطَّائفي، بكلِّ ما فيهِ، هو السَّبب الأساس في ما وصلنا إليه من بؤسٍ وعَوَزٍ وانحطاط؟
أما آن لنا، ونحن نراجع العقل والمنطق والتَّاريخ، أن نؤكِّد لذواتنا، قبل أن نؤكِّد للآخرين، أنَّ استمرار العمل بهذا النِّظام الطَّائفي، ليس سوى مخالفة هدَّامة للبند (ج) من مقدِّمة الدُّستور اللبناني؛ التي تنصٌّ على أن “إلغاء الطَّائفيَّة هدف وطنيٌّ أساسيٌّ”، وأن بقاء هذا النِّظام الطَّائفيِّ فاعلاً، بعد أربع وتسعين سنة من صدور الدستور؛ ليس سوى خَطِيئةً تنتهك، بكلِّ صراحةٍ فاجرةٍ ومتعمَّدة، المادة 95 من الدُّستور اللبناني الصَّادر، منذ سبع وسبعين سنة، 1943، وللقانون الُّدستوري الصَّادر، منذ ثلاثين سنة، 1990؛ إذ الهدف واضحٌ وجليٌّ يفرض، منذ تلك السِّنين، “اتِّخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطَّائفيَّة السِّياسيَّة”.
أما آن لنا، ولحكومة دولة الرَّئيس حسَّان دياب، هذه المتربِّعة سعيدة اليوم على عرشِ السُّلطة التَّنفيذيَّة، من دون أن تتمكَّن من إنجاز أيِّ أمرٍ يساهمُ في إصلاحِ كلِّ هذا البؤس، ومع كل ما شهدناه وذقنا علقمه من الحكومات التي سبقتها منذ أن مان “اتِّفاق الطَّائف”، أن ترى أنَّ المحاصصة السِّياسيَّة المبنِيَّة على الطَّائفيَّة والمذهبيَّة، أصبحت من أكبر العوامل الفاعلة في هدم أركان الوطن وشرذمة طاقاته وإفشال كلِّ مسعى حقيقيٍّ لنهضته؟
أما آن لنا، ولأنَّنا نسعى إلى حفظ مصالحنا وأرزاقنا ومستقبل أبنائنا وبناتنا؛ ونعمل على وجود لبنان، وطناً له القدرة العمليَّة، بغناه الماديِّ والمعنويِّ، وليس بإفلاسه على الإطلاق، على مواجهة تحديات الغَصْب الصُّهيونيِّ المجرم، ومواكبة المعاصرة المفهوميَّة للزَّمن الرَّاهن والمقبل؛ أن نعمل جميعاً، شعباً، بأبنائه البررة وهيئات مجتمعه الأهلية ومنظَّمات الحقِّ المدنيِّ فيه، لقيام نظام المواطنة التي تستجيب فعليَّاً للمادَّة السَّابعة من الدُّستور، إذ “كلُّ اللبنانيين سواء لدى القانون، وهم يتمتَّعون بالسَّواء بالحقوق المدنيَّة والسِّياسيَّة؛ ويتحمَّلون الفرائض والواجبات العامَّة دون ما فرق بينهم”.
نعم، نعم، لقد آن الأوان؛ فتعالوا، أيُّها اللبنانيون، مهما اختلفنا فيما بيننا سياسيَّاً، ولنتَّحِد وطنيَّاً، يداً واحدة واعية ومسؤولة، وهيَّا إلى العمل من أجل نظام المواطنة؛ وفاقاً للبند (د) من مقدمة الدُّستور “الشَّعب مصدر السُّلطات وصاحب السِّيادة”.