
كتبت صحيفة الجمهورية تقول:
ما هو أقبح من إجراءات السلطة الفاشلة والبلا اي معنى التي اتخذتها لاحتواء فيروس «كورونا» منذ بدء تفشيه، هو تحذيراتها من انّ لبنان يوشك ان يقترب من النموذج الايطالي أو الاسباني او أي نموذج لأيّ دولة هزمها الفيروس، متجاهلة النموذج اللبناني، الذي اعطى مثالاً لكل العالم بأنّه الأسوأ بكل المعايير، والاكثر تخلّفاً على وجه الكرة الارضية، إن من حيث اجراءات السلطة القاصرة على اللحاق بالوباء، او من حيث استهتار المواطنين.
لم يعدْ السكوت جائزاً على الإطلاق، على هذا التخبّط المفجع الذي يحكم السلطة، وظيفتها فقط أن تنذر بالشؤم والقول انّ لبنان يوشك على بلوغ الخط الاحمر، فيما الحقيقة انّ هذا اللبنان تجاوز الخط الاحمر فعلاً، وامكانية احتواء الفيروس صارت مستحيلة في ظلّ ما هو متبع من اجراءات عشوائية، لا بل اجراءات إسميّة لا اكثر.
الإجراء البديهي في ظلّ هذا الخطر، هو ان تبادر السلطة الى التعاطي معه بحجمه، والمسارعة الى اجراءات باتت اكثر من ملحّة، حتى ولو كانت موجعة وارغامية لكلّ مواطن، او بمعنى ادق، لكل مستهتر شريك في تفشي هذا الوباء. فهل تدرك السلطة، انّ في الدول التي تحترم نفسها لا يجرؤ المواطن على مخالفة اجراءات الوقاية، واولها الزامية ارتداء الكمامة؟
الفيروس يوشك أن يجتاح كل بيت، وصار على السلطة أن تدرك أنّ تحويل البلد الى حقل تجارب لإجراءات متسرّعة او بالاحرى سطحية او ارتجالية، لم ينتج منها سوى مفاقمة الانتشار، وتسريع وتيرة العدادات التي لن يمضي وقت طويل، مع استمرار هذا المنوال، لتسجّل يومياً آلاف الاصابات، والكل يعلم انّ الارقام التي تعلنها وزارة الصحة يومياً ليست هي الارقام الصحيحة، بل انّ الارقام اليومية مخيفة لا بل مريعة.
الإجراء البديهي، هو المسارعة الى قرار جريء بالإقفال التام، على رغم من كلفته، إن كان هذا هو السبيل الوحيد لرد الخطر، وليس عبر اقفال جزئي او استنسابي لشارع هنا أو حيّ هناك او بلدة هنالك، فيما الشارع المجاور او الحي او البلدة الاخرى مستثناة من هذا الاقفال، وكأنّ هناك شارعاً نظيفاً وشارعاً موبوءاً، وهو ما دلّت عليه بصورة فاضحة اجراءات الاقفال الاخيرة!
والأهم من كل ذلك، هو التشدّد الى الحدّ الاقصى على المعابر الحدودية، وإن اقتضى الامر اقفالها، وكذلك الامر بالنسبة الى المطار، وشموله إن اقتضى الامر ايضاً بالاقفال، على جاري ما تقوم به دول العالم الحريصة على اهلها. فبشهادة كثيرين قادمين عبر المطار، فإنّ ما يُقال عن تشدّد ما هو الاّ كلام اعلامي، وكثير من القادمين لا يخضعون للفحوصات المطلوبة، رغم أنّ بعضهم قد يكون حاملاً الفيروس وينقله الى مخالطيه!
وكما انّه لم يعد السكوت جائزاً على السلطة واجراءاتها الوهمية، كذلك لا يمكن السكوت على الاطلاق على تلك «النفخة الفارغة» لدى اكثرية اللبنانيين، وهي مرض أسوأ من الوباء نفسه، اخطر عوارضه الغباء والتعالي على «كورونا»، والاصرار على ارتكاب الجريمة بحق نفسه ومجتمعه، دون اي تقدير لخطر ما يقترفه الذي لا يتأتى منه سوى الوجع ولا ينفع معه الندم، ودون ان ينتبه الى أنّ الخطر الاكبر صار على الابواب؛ الامن الصحي يوشك ان ينهار، الدواء شبه مفقود، ولصوص التخزين بدأت بسحبه من الصيدليات، ويُقاد البلد الى حالة افلاس دوائي، والى بازار المتاجرة بالدواء وارتفاع اسعاره الى مستويات خيالية لن يكون في مقدور المواطن، اي مواطن، ان يلحق بها.
تبقى كلمة أخيرة برسم كل مواطن: إن لم يرد المواطن المستهتر ان يرحم نفسه فليرحم غيره على الاقل! اما آن الاوان بعد لكي يعي اصحاب العقول المهترئة أي جريمة يرتكبون؟ أما آن لهم ان يعوا أنّ ابسط سبل المواجهة والحماية هي اعتماد الإجراءات الوقائية البديهية وابسطها واكثرها فعالية في آن معاً، هي الالتزام بالكمامة والتباعد وعدم الاختلاط؟