خرج لويس هاميلتون منتصرًا من جائزة إيميليا-رومانيا الكبرى لصالح مرسيدس. استغلّ البريطاني بعض الحظّ على صعيد توقيت نظام سيارة الأمان الافتراضيّة، لكن هل كان انتصاره حتميًا لولا ذلك؟
قد تكون سيارة مرسيدس “دبليو11” واحدة من أفضل السيارات في تاريخ الفورمولا واحد. لكنّها غير مُصمّمة للعمل وجزء من هيكل فيراري عالقٌ على هياكلها الانسيابيّة.
كانت صفيحة سيارة فيراري تلك عاملًا أساسيًا وراء هزيمة فالتيري بوتاس في مواجهة لويس هاميلتون خلال سباق جائزة إيميليا رومانيا الكبرى نهاية الأسبوع الماضي. لكنّه لم يكن العامل الوحيد.
سارت الأمور على نحوٍ جيّدٍ جدًا للفّة وستّة منعطفات. تراجع هاميلتون إلى المركز الثالث عند الانطلاقة خلف ماكس فيرشتابن بالوصول إلى منعطف “تامبوريلو” المزدوج”، بل واجه بعض الضغط الإضافيّ من قبل دانيال ريكاردو.
ابتعد بوتاس في الأمام، حيث تمتّع بأفضليّة 1.452 ثانية أمام فيرشتابن عندما بدأ اللفّة الثانية من عمر السباق. لكنّ الكارثة حلّت إثر ذلك.
إذ حذّر الفريق سائقه من وجود بعض الحصى على المسار على إثر احتكاك سيباستيان فيتيل وكيفن ماغنوسن في اللفّة الافتتاحيّة. لكنّ تلك الواقعة تسبّبت في المزيد من الخطر على المسار، وتمثّل ذلك في جزء من الصفيحة الجانبيّة للجناح الأماميّ لسيارة فيتيل، وكانت تلك القطعة “على خطّ التسابق” وفق بوتاس.
“لم أملك وقتًا كافيًا للاستجابة” قال بوتاس لاحقًا، وأضاف: “رأيت قطعة ألياف كربون كبيرة وقرّرت أنّ فرصتي الوحيدة هي العبور وهي في وسط السيارة، كي لا تلمسها الإطارات ويكون هناك خطر انثقاب أحدها. لكن لسوء الحظّ علقت في الأرضيّة ويبدو أنّنا خسرنا 50 نقطة من الارتكازيّة، وذلك جزءٌ ضخمٌ على صعيد زمن اللفّة”.
يُقدّر موقعنا “موتورسبورت.كوم” قدر خسارة الارتكازيّة التي واجهها بوتاس بحوالي 0.7 إلى 0.8 ثانية في اللفّة في بقيّة السباق. لذلك تأثيرٌ كبيرٌ بالتأكيد.
لكن لم يبدُ في البداية أنّ ذلك أثّر عليه كثيرًا في المرحلة الأولى من السباق. سرّع وتيرته بشكلٍ تدريجي على مدار اللفّات الـ 12 التالية ورفع الفارق بينه وبين فيرشتابن إلى 2.019 ثانية بنهاية اللفّة الـ 15. طلب منه الفريق إثر ذلك تسريع وتيرته أكثر وسجّل سلسلة من أسرع اللفّات مع نهاية فترته الأولى على إطارات “ميديوم”.
اختارت ريد بُل استدعاء فيرشتابن أوّلًا في اللفّة الـ 18، حيث كان الفارق بينه وبين بوتاس 2.507 ثانية حينها، واستجابت مرسيدس سريعًا في اللفّة التالية عبر نقل الفنلندي إلى إطارات “هارد” كذلك. تسبّب ذلك في العامل الآخر وراء هزيمة بوتاس: انتقال هاميلتون إلى الاستراتيجيّة البديلة.
كانت مرسيدس تهدف لتحقيق الثنائيّة مثلما هو الحال في كلّ سباق بصرف النظر عن ترتيب سائقَيها. كما أنّها كانت تتّجه لضمان لقب البطولة. نجح الفريق في فعل ذلك لينفرد بالرقم القياسيّ على صعيد الألقاب المتتالية بعد أن كان متعادلًا مع فيراري برصيد 6 لكلٍ منهما.
لهذا السبب ركّز الفريق على إعادة هاميلتون أمام فيرشتابن. قرّر الفريق سريعًا تمديد فترته الأولى، حيث كانت إطاراته “ميديوم” صامدة”، خاصة مع توقّف منافسَيه في موعدٍ أبكر حتّى ممّا توقّعته بيريللي.
وحالما حصل البريطاني على الهواء النقيّ أمامه، فقد أطلق العنان لسيارته بعد أن كان محدودًا بفيرشتابن قبل ذلك وحاول البقاء بعيدًا عنه من أجل عدم إجهاد إطاراته.
انطلق في تسجيل سلسلة من أسرع اللفّات، وكسر حاجز الـ 79 ثانية سريعًا، إلى أن توقّف في اللفّة الـ 30. كان معدّل لفّات هاميلتون منذ استلامه الصدارة إلى حين توقّفه الأوّل قد بلغ 1:18.280 دقيقة. أمّا خلفه فقد كان معدّل بوتاس 1:18.690 دقيقة ومعدّل فيرشتابن 1:18.771 دقيقة. كان ذلك بالرغم من تجاوز البريطاني لبعض زحام السيارات المتأخّرة.

إستيبان أوكون، رينو
تصوير: صور موتورسبورت
لكنّ الحظّ حالف هاميلتون مرّة أخرى هنا. إذ خلال اللفّة الـ 28، أوقف إستيبان أوكون سيارته إلى جانب المسار ، واعتُمد نظام سيارة الأمان الافتراضيّ بعد ذلك بلفّة من أجل السماح للمارشلز بإبعاد السيارة سريعًا وبشكلٍ آمن وفق ما قاله مايكل ماسي مدير السباق.
تمّ تفعيل النظام عندما كان هاميلتون بصدد دخول المنعطف الأخير، نتيجة لذلك توجّه مباشرة إلى خطّ الحظائر وكسب وقتًا ثمينًا في الوقت الذي كان فيه بوتاس وفيرشتابن مُجبرَين على السير ببطء. نتيجة لذلك ولدى استئناف التسابق بشكلٍ طبيعيّ بنهاية اللفّة الـ 31 (انتهى النظام وهاميلتون لا يزال في خطّ الحظائر)، فقد تمتّع البريطاني بفارق 3.713 ثانية.
لم يخسر الصدارة منذ ذلك الحين. علينا أن ندرس الآن إن كان هاميلتون متمتّعًا بأفضليّة كافية لإجراء وقفته والعودة في الصدارة في ظروفٍ طبيعيّة من دون نظام سيارة الأمان الافتراضيّة.
والإجابة في تلك المرحلة بالتحديد: لا.
كان فيرشتابن أسرع من عبر خطّ الحظائر بتوقيت إجمالي بلغ 29.427 ثانية. أمّا الفارق بين هاميلتون وبوتاس في بداية اللفّة التي سبقت نظام سيارة الأمان الافتراضيّة فقد كان 28.190 ثانية. لذا على افتراض أنّ مرسيدس كانت لتكون قادرة على إجراء وقفة مطابقة لوقفة مرسيدس الأسرع (أسرع وقفة حقيقيّة للفريق كانت لصالح بوتاس في الحقيقة بـ 30.129 ثانية) فإنّه كان ليعود إلى المسار خلف الفنلندي بفارق 1.237 ثانية. وكان ليعود أمام فيرشتابن بفارق 0.353 ثانية.
لكن حتّى لو عاد هاميلتون خلف سيارة ريد بُل، فإنّه كان لا يزال من شبه المؤكّد أن يفوز بالسباق، على افتراض أنّ بقيّة الأحداث كانت لتسير وفق ما حدث بالضبط.
مع ابتعاد هاميلتون في الأمام، تمحور التركيز حول بوتاس الذي أُعلم إثر وقفته بالضرر على سيارته، وكان عليه الإبقاء على فيرشتابن خلفه.
حاولت مرسيدس نزع قطعة سيارة فيراري العالقة خلال وقفة بوتاس الأولى، لكن لم يكن بوسع الفريق خسارة الكثير من الوقت في فعل ذلك من أجل الحفاظ على موقعه على المسار أمام فيرشتابن.
وقال بوتاس حول تأثير تلك القطعة العالقة: “سأقول بأنّ تأثيرها كان حاضرًا بالأساس في المنعطفات عالية السرعة. كان بوسعي الشعور بالسيارة تنزلق قليلًا في بعض نقاط الكبح. لم يكن من الممكن توقّع سلوكها، لذا كنت أغلق مكابحي في بعض الأحيان وتتوقّف السيارة سريعًا في أحيانٍ أخرى. لم تكن الارتكازيّة مستقرّة على السيارة. صعّب ذلك قيادتها، وكان بوسعي ملاحظة أنّني لا أتمتّع بوتيرة كافية، وكان ماكس يُسلّط الضغط عليّ”.

الأشلاء العالقة في سيارة فالتيري بوتاس، مرسيدس
تصوير: مرسيدس
نتيجة لذلك الضغط، ارتكب الفنلندي بعض الأخطاء، وفي حين أنّه نجى إثر الخطأ الأوّل في اللفّة الـ 36، إلّا أنّ الخطأ الثاني في اللفّة الـ 42 منح فيرشتابن فرصة أفضل بكثير، وذلك كون بوتاس خرج على الحصى وخسر الكثير من الزخم. استغلّ فيرشتابن نظام “دي آر اس” وتقدّم على منافسه الفنلندي بالوصول إلى نقطة الكبح الأولى.
تمتّع هاميلتون وفيرشتابن بوتيرة متقاربة للغاية على مدار اللفّات الثمانية التالية، وبقي الفارق بينهما ثابتًا في فلك 13 ثانية. لكنّ المفاجأة التالية أتت إثر ذلك.
إذ بتوجّه فيرشتابن لمنعطف “فيلنوف” المزدوج في اللفّة الـ 51، كان مهندسه يُخبره بأنّ مرسيدس طلبت من هاميلتون الضغط لكسب ثانيتين من أجل خلق فارقٍ آمنٍ في حال دخول سيارة الأمان أو أيّ حدثٍ آخر.
وتمامًا أثناء تلك المحادثة، انفجر الإطار الخلفيّ الأيمن الخاص بفيرشتابن ودخلت سيارته في التفافة على سرعة عالية على الحصى. لكنّها توقّفت لحسن الحظّ من دون أن تنقلب أو تعبر على المسار مجدّدًا. تمّ استدعاء سيارة الأمان الفعليّة هذه المرّة.
كانت مرسيدس متمتّعة بأفضليّة 30 ثانية أمام سيرجيو بيريز بالنسبة لبوتاس و54 ثانية بالنسبة لهاميلتون، لذا لم تتردّد في استدعاء سيارتها الثانية لمنحها إطارات جديدة، وتمكّنت أخيرًا من نزع صفيحة فيراري. واستدعى الفريق هاميلتون في اللفّة التالية.
لاحظت مرسيدس وجود اهتزازات على الإطارَين الخلفيين على سيارة هاميلتون أثناء مغادرته خطّ الحظائر، لكنّه تمكّن من البقاء أمام بوتاس.
امتدّت فترة سيارة الأمان لوقتٍ أطول من المتوقّع بكثير نتيجة تعرّض جورج راسل لحادث حينها بعد انزلاق سيارته واتّجاهها إلى الجدار. قال البريطاني أنّ “الإطارات الباردة للغاية” باغتته، وكان يتألّم بشكلٍ واضحٍ لقاء ذلك الخطأ.

سيارة الأمان
تصوير: صور موتورسبورت
عندما تمّ تنظيف المسار أخيرًا – حيث تشتبه ريد بُل في أنّ أشلاءً تسبّبت في انفجار إطار فيرشتابن – فقد استؤنف السباق مع بقاء 6 لفّات على النهاية.
ابتعد هاميلتون وبوتاس سريعًا في الأمام، وكانت المنافسة محسومة بينهما، حيث عبر البريطاني خطّ النهاية بفارق 5.783 ثانية أمام زميله الفنلندي.
“كان سباقًا مُنهكًا بالنظر إلى السرعة التي كان علينا تقديمها” قال هاميلتون، وأضاف: “كان سباقًا قاسيًا جسديًا، ومجهدًا ذهنيًا كذلك لأنّ الحلبة سريعةٌ جدًا وكثيرة المطبّات”.
أمّا خلف ثنائيّ مرسيدس فقد كان ريكاردو سائق رينو من خطف المركز الثالث للمرّة الثانية في غضون ثلاثة سباقات.
لم يبدُ الأسترالي متّجهًا لفعل ذلك قبل فترة سيارة الأمان في الحقيقة. إذ بالتطرّق إلى سباقه فقط تراجع في البداية بعيدًا عن ثلاثيّ الصدارة في المرحلة الأولى، وبعد أن أجرى وقفة صيانته في اللفّة الـ 14، علق الأسترالي لفترة خلف كيفن ماغنوسن، لذا عندما انفجر إطار فيرشتابن فقد كان سيرجيو بيريز أفضل البقيّة في الأمام وكان المكسيكي متّجهًا لضمان منصّة التتويج.
فبانطلاقه من المركز الـ 11، أمضى المكسيكي الفترة الأولى على متن إطارات “ميديوم” وقدّم وتيرة مدهشة وأحرز تقدّمًا مدهشًا في الترتيب. وعندما توقّف في اللفّة الـ 27 فقد كان معدّل أزمنته 1:20.247 دقيقة بالمقارنة مع 1:19.143 دقيقة لهاميلتون الفائز. بالتوازي مع ذلك كان معدّل ريكاردو أبطأ منه بـ 0.196 ثانية.
لكنّ فريق ريسينغ بوينت كان “متخوّفًا من صعوبة تشغيل إطارات هارد عند استئناف السباق بعد فترة سيارة الأمان” وفق ما قاله أوتمار زافناور مدير الفريق، لذا استدعى بيريز لتغيير إطاراته في فترة سيارة الأمان وهو ما أطاح به إلى المركز السادس، لكنّه كان متسلّحًا بإطارات “سوفت” وأمامه ريكاردو، وشارل لوكلير وأليكسندر ألبون بإطارات “هارد” بعمرٍ يتجاوز 40 لفّة.
لكنّ بيريز لم يكن من استفاد من الإطارات الحمراء في النهاية. بل كان دانييل كفيات الذي أنقذ يوم ألفا تاوري عبر تجاوزات مثيرة على كلٍ من بيريز نفسه، وألبون وكذلك لوكلير، وبدأ بالضغط على ريكاردو إثر ذلك.

لويس هاميلتون، مرسيدس
تصوير: صور موتورسبورت
لكنّ الوقت لم يُسعفه في النهاية، حيث عمل ريكاردو بجدٍ مع مهندسه من أجل ضمان تحمية إطاراته “هارد” بما فيه الكفاية للتشبّث في اللفّات الأخيرة.
وقال سائق رينو: “من الواضح أنّني كنت أبتسم نتيجة لذلك، إذ قلت في نفسي: حسنًا سيمنحني ذلك المركز الثالث على الحلبة. علمت أنّ التشبّث على إطارات هارد عند استئناف السباق سيكون صعبًا، لكنّني كنت أكثر من سعيدٍ بالمنافسة على ذلك حتّى النهاية، المركز على المسار أكثر أهميّة على هذه الحلبة”.
ثمّ تابع: “أعتقد بأنّني كنت أميل وكذلك فريقي إلى البقاء على الحلبة. من الواضح أنّني أردت المنافسة حتّى النهاية ولو عادوا لتجاوزنا فلا بأس، ذلك الموقع الذي كنّا فيه. لذا شعرت بأنّ الأمر يستحقّ المجازفة وقد آتى ذلك ثماره”.
حقّقت مرسيدس جميع النقاط الـ 44 المتاحة (كون هاميلتون حقّق أسرع لفّة)، وهو ما كان أكثر من كافٍ لها لضمان تتويجها باللقب، لتُواصل بذلك حصد العلامة الكاملة منذ 2014.
بوضع جميع الفرضيّات جانبًا على صعيد ما كانت لتكون عليه النتيجة لولا تدخّل نظام سيارة الأمان الافتراضيّة، فقد خرج هاميلتون منتصرًا للمرّة الـ 93 في مسيرته. بات البريطاني يتمتّع الآن بأفضليّة 85 نقطة، وبات على مقربة من تحقيق إنجازٍ تاريخيٍ آخر. سيحظى هاميلتون بفرصة معادلة رقم مايكل شوماخر القياسيّ برصيد 7 ألقابٍ عالميّة خلال السباق المقبل في تركيا.
“أعتقد بأنّني كنت قادرًا خلال هذه الأعوام الأخيرة على رفع أدائي” قال هاميلتون، وأضاف: “حقّقت قفزات كبيرة، في الكثير من الجوانب الإيجابيّة وأعتقد بأنّ ذلك جاء مع تقدّمي في السنّ”.
وأردف: “يتقدّم عمري لكنّني لا أسمح للياقتي الجسديّة بالتراجع، بل أصبحت أقوى فأقوى، وذلك رائع. أعتقد بأنّني شعرت بذلك هذا العام. أنا فخورٌ بتأدياتي هذا العام، لكن لم أكن لأنجح في فعل ذلك من دون فريقٍ رائعٍ يعمل خلفي”.