
ميشال نصر
لأن المصيبةَ لا تلغيها إلّا كارثة، فجّر المحقق العدلي القاضي فادي صوان قنبلته، فادّعى بقبة باط سياسية واضحة، في التوقيت والاسماء، على “عين التينة” قبل ان يكون على من ارتكب تقصيراً أو اهمالاً تسبّب بقتل العشرات، ناقلاً المعركة بين الرئاستَين الاولى والثانية الى مرحلة جديدة، تزامناً مع انهيار الهدنة التي سادت بين بعبدا وبيت الوسط على امل الوصول الى تسوية تخرج الحكومة العتيدة من “بيت اليك” العالقة في زاويته.
فالرئيس المكلف الذي أتم “فرضه” حمل معه في مغلف التشكيلة بأسمائها وحقائبها، وفي آخر السير الذاتية للوزراء، الذين يبدو انهم من غير المعروفين اقله من رئيس الجمهورية، الذي طلب وقتاً لدرس الامر، عارضاً في المقابل تصوّراً بدا واضحاً انه يضرب اسس التركيبة، ما اثار امتعاض الاخير، الذي خرج امام الاعلاميين “شارياً المشكل” معلناً عن اجواء ايجابية املا بزيارة لاحقة الى بعبدا، كاشفاً نص الكباية المليان” امام اللبنانيين، ما يبدو انه احرج رئيس الجمهورية.
فمع مغادرة الشيخ سعد عائداً الى بيت الوسط” منجزاً قسطه للعلى”، بعدما ارضى صديقه ماكرون، المطّلع على مبدأ مسودة التشكيلة، حتى انكبّ الفريق الاستشاري للجنرال بدراسة التركيبة والاسماء، مكتشفاً ثغرات عدة تتعارض وما سبق وجرى نقاشه في جلسات سابقة وخلال التفاوض. فضلاً عن ان بعض الاسماء المطروحة قد لا تكون “قد حمل المرحلة”، فكان القرار بإصدار بيان عن رئاسة الجمهورية يوضح وجهة نظرها.
غير ان الحريري، الذي اطمأن على ما يبدو ان الليلة ستمر على خير، فوجئ برسائل على هاتفه تبلغه بما صدر عن بعبدا، تبعتها اتصالات من معاونيه وبعض السياسيين وسط جو من التوتر ساد بيت الوسط، دفع بالشيخ سعد الى اتخاذ قرار، بغسل يده من دم الحكومة وتبرئة ذمته امام الخارج، طالباً من معاونيه نشر اسماء الوزراء واهم ما في سيرهم الذاتية عبر مجموعة تسريبات، قبل ان يتراجع عن خطوته تلك، بضغط فرنسي شخصي من الرئيس ماكرون الذي بقي حتى ساعات لصباح الاولى على تواصل مع بيروت في عملية تفكيك للّغم الجديد، على ان تعاود الاتصالات بعد ان تهدأ النفوس.
غير ان الرغبات الفرنسية التي لاقت تجاوبا من الرئيس المكلف، لم تلق اذناً صاغية في بعبدا، التي بادرت منذ الصباح الى “فتح النار”، محذّرة من “بلف” اللبنانيين وايهامهم بإيجابيات غير موجودة اصلا، ما اضطر بيت الوسط الى القيام بحفلة دفاع مضادة تولاها نائب رئيس تيار المستقبل مصطفى علوش، “يلي قلبه مليان اصلا”، واضعاً ما حصل في اطار خلق أعراف جديدة وتعرض لصلاحيات الرئاسة الثالثة وما تمثله، ليزيد من طين ذلك بلة الادعاء على “غريندايزر” السراي في جريمة المرفأ، والذي بدوره اعتبر ما يحصل معه استهداف لما يمثله موقعه. كل ذلك والشارع السني يغلي منذ مطلع الاسبوع وقد ارسل في هذا الاتجاه اكثر من رسالة.
فهل ما حصل “ردة اجر عونية “لحشرة حريرية”؟ ام هي معركة جديدة يخوضها العهد نيابة عن” حزب المقاومة” الذي لم تعجبه الاسماء الشيعية التي اختارها الرئيس المكلف؟ ووسط كل ذلك هل من المسموح اللعب باللبناني كالطابة؟ والى متى سيستمر لعب الصغار هذا؟ وهل صحيح ان رئيس الجمهورية قد تراجع عن وعد قدمه للايليزيه بالسير بتشكيلة يقدمها الحريري، بعد اتصال وصل الى بعبدا الاحد؟
انها مسألة كؤوس سمّ اعتاد الرئيس الحريري تجرّعها، وسيتجرّع الكثير منها بعد، دون ان يغص. فطريق السراي تحتاج الى تحمل الكثير بعد، صحيح ان جبران وعده بعد انهيار الحكومة وانفجار العلاقة بين الطرفين، عقب ثورة ١٧ تشرين، بالعودة من جديد معا، ولكن على طريقة رئيس التيار الوطني ووفقاً لشروطه، وهنا وعد الحر دين. فما دام اي من الثلاثي امل، حزب الله، الوطني الحر لم ينل كل مطالبه، لن تكون هناك حكومة، كما لم تكن من قبل. انها معادلة ارساها الرئيس الحريري نفسه يوم تنازل في المرة الاولى، وها هو اليوم امامها “متل الشاطر”.
هكذا بدل “تكحيلها” “عميانها”، انها اصول السياسة اللبنانية.
“كما حنا، كما حنين”، فما يصح لحزب الله يصح “للصهر” وفوقه حبة مسك “… اما بالنسبة” للشاطر حسن” فـ “مين جرب مجرب كان عقله مخرب”، وهو ما يصح على الرئيس ماكرون، كما على الشعب اللبناني” الغاشي”، لذلك على اللبنانيين ان يختاروا، اما ان يبقوا” بعقل مخرب” او يبادروا الى احتلال الساحات قبل فوات الاوان.