
ولد البطريرك الراحل في 15 مايو/ أيار في بلدة ريفون بقضاء كسروان عام 1920، وأصبح بطريرك الكنيسة في 19 أبريل/ نيسان عام 1986، قبل أن يقدم استقالته في عام 2011 للانصراف للتأمل والصلاة.
وفاة البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير
معارضة الدور السوري
وكان البطريرك صفير من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في لبنان، والرجل الذي لعب دورا محوريا في تطورات الوضع الداخلي على الساحة المسيحية الداخلية، وعلى المستوى الوطني أيضا.
ففي عام 2000، وبعد أشهر من انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان، أطلق البطريريك السابق شرارة التحرك للمطالبة بخروج سوريا من البلد.
وفي إطار دفعه باتجاه تحقيق مطلبه “بخروج سوريا ووضع حد لوصايتها”، رعى البطريرك اجتماعا للقوى والشخصيات المسيحية التي أعلنت دعمها لمطلبه. وشكلت هذه القوى تجمعا عرف بلقاء قرنة شهوان، وذلك نسبة إلى البلدة التي كان يعقد فيها، وضم غالبية الأحزاب والتيارات المسيحية وشخصيات مستقلة جمعها الاعتراض على دور سوريا في لبنان.
وبات لقاء قرنة شهوان يعقد دوريا تحت سقف الدعوة لخروج سوريا، بحضور مطران من الكنسية المارونية بتكليف من البطريرك صفير.
ولم يكن موقف البطريرك صفير المعارض للدور السوري بالجديد. فقد سبق له أن اعترض على دور سوريا في لبنان في السنوات التي تلت انتهاء الحرب، في مطلع التسعينات. كما كان من المعترضين على رغبة سوريا بالتمديد لرئيس الجمهورية السابق إميل لحود عام 2004، معتبرا التمديد خطوة غير دستورية.
“بطريرك الكلام”
حينها أشاد رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، الذي كان معترضا بحدة أيضا على التمديد، بحديث رجل الدين، قائلا إن “كلام البطريرك هو بطريرك الكلام”.
لكن بعد اغتيال الحريري ونزول الناس الى الشارع، رفض توجه فريق “الرابع عشر من اذار” بمحاولة إسقاط رئيس الجمهورية إميل لحود عبر الدعوة لاعتصام مفتوح أمام القصر الجمهوري. واعتبر صفير في ذلك سابقة قد تؤثر على موقع رئاسة الجمهورية.
كما سجل البطريرك الماروني مواقف اعتراضية حادة على قوانين الانتخابات التي وضعت بعد الحرب في أثناء الوجود السوري والتي أدت عام 1992 إلى إعلان المقاطعة المسيحية لتلك الانتخابات. وكان يعتبر أن الهدف من هذه القوانين إقصاء فريق وتغليب فريق على آخر.
وأعطت زيارة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني عام 1997 إلى لبنان، وما تخللها من مواقف، دفعا قويا لموقع البطريرك صفير ودوره الداخلي على اعتبار أن الساحة المسيحية في لبنان كانت تعيش يومها فراغا سياسيا مع وجود غالبية زعماء الأحزاب في الخارج، كميشال عون وأمين الجميل، أو في السجن، كسمير جعجع. وقد مهد صفير يومها لزيارة البابا بجملة مواقف أبرزها تصريحه في حديث لبي بي سي قبل أيام من الزيارة بأن المسيحيين في لبنان فقدوا امتيازاتهم وموقعهم.
رفع البطريرك السقف ضد سوريا، ورفع في ما بعد السقف ضد جماعة حزب الله وسلاحها، فاتهم الجماعة بأنها تأتمر بأوامر من الخارج وأن سلاحها غير شرعي، وصولا إلى حد وصفها بالحالة “الشاذة”.
هذه المواقف للبطريرك صفير قوبلت بانتقادات حادة من حلفاء سوريا في لبنان، خاصة من المسيحيين وعلى رأسهم النائب الشمالي سليمان فرنجية الذي دعا الفاتيكان لإقالته. وبعد دخوله في تحالف مع حزب الله، بات انتقاد العماد عون للبطريرك صفير ومواقفه أكثر حدة.
لم يكن موقف البطريرك الماروني المعارض لسوريا وحزب الله المحطة الوحيدة التي تميز بها أداء رأس الكنيسة المارونية في لبنان.
فقد اتخذ موقفا معترضا على انتخاب حليف دمشق سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية عام 1988. ومن ثم أعلن اعتراضه على الاتفاق السوري الأمريكي على انتخاب النائب المقرب من سوريا مخايل الضاهر لرئاسة الجمهورية بعد أن عطلت القوات اللبنانية جلسة الانتخاب الأولى عبر منعها النواب المسيحيين من الوصول إلى المجلس النيابي في أغسطس/ آب عام 1988.
واعترض البطريرك صفير، أيضا، على خطوة رئيس الجمهورية السابق أمين الجميل، في آخر ربع ساعة من عهده، بتكليف العماد ميشال عون قائد الجيش آنذاك تشكيل حكومة انتقالية بعد تعذر عقد جلسة انتخاب الضاهر ووصول ولاية الرئاسة إلى نهايتها.
وقد رفض صفير الاعتراف بشرعية هذه الخطوة وما تلاها من تشكيل حكومة عسكرية، وهو ما دفع أنصار عون إلى التوجه إلى بكركري، مقر البطريرك الماروني، في تظاهرة اعتراضية دخلت حرم الصرح.
وكان البطريرك الماروني أول من أيد اتفاق الطائف الذي اعترض عليه العماد ميشال عون وتأخر سمير جعجع في الموافقة عليه، وهو الاتفاق الذي وضع حدا للحرب الأهلية وأجرى تعديلات دستورية عززت صلاحيات مجلس الوزراء مجتمعا على حساب صلاحيات رئيس الجمهورية.
ومنذ انتخابه عام 1986، ظل من النادر أن تمر عظة للبطريرك صفير دون أن تشمل التعبير عن موقف سياسي. لكنه، وبشكل مفاجئ، قرر الاستراحة والاستقالة عام 2011. فرفع رغبته إلى البابا الذي وافق عليها بعد اجتماعه به.
لم يغب الاهتمام بالشأن العام عن الكرسي البطريركي في لبنان على مر عقود، لكن البطريريك صفير قد يكون الشخص الذي شهد أكثر الأيام تحديا وصعوبة أمام الوجود والدور المسيحي في لبنان.