أخبار محلية

الساعات الاثنتا عشرة التي أحرقت ترشيح الحريري

يحتاج المرء الى ساعات لالتقاط انفاسه بعد أن يمنى بضربة موجعة. فكيف بالأحرى اذا كانت الضربات متتالية وأشدّ ايلامًا ولاسيّما اذا كان متلقّيها هشًّا وهو لم يشفَ أصلًا من بعض ممّا قد أصابه. فسعد الحريري الذي أُسقِطَت حكومته في الشارعِ كان قد وصلَ الى قناعةٍ بأنّ اعادة تكليفه هي السبيلُ الوحيد لتشكيل حكومةٍ.

فجر الاثنين، استفاقَ رئيس حكومة تصريف الأعمال على بيان مفاجىءٍ من رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع يُعلِن فيه عن “عدم تسمية الحريري” في الاستشارات النيابية التي كانت مقرَّرة أن تعقدَ في اليوم ذاته. وقد علَّلَ جعجع موقفه، بأنّ “القوات لن تسمّي أحدًا على أن تعطي الثقة للحكومة في حال كانت مشكلة من اختصاصيين مستقلين”. وقد استتبعَ جعجع موقفه بمقابلة تلفزيونية بعد ظهر اليوم نفسه إذ أعلن عن مفاجأة تمثَّلَت في التخلي النهائي عن الحريري طارحًا إسم نواف سلام في خطوةٍ لم يكن يتوقعها فريق الحريري السياسي مهما كان حجم الفتور في العلاقة بين الطرفَيْن.

لقد استتبعت ضربة “القوات” بأخرى ثانية وهي اسقاط الميثاقية عن تكليف الحريري بالرغم من أن لا وجود لنصٍّ دستوري يتحدَّث عن حصّةٍ طائفيّةٍ لاختيار الرئيسِ المكلفِ، ولكنه أصبحَ من الواضحِ، أنّ الأحزاب المسيحيّة قد رفعت غطاءها عن الحريري بحيث تكون “القوات” قد انضمت الى “الكتائب” في رفضه، ومثلهما فعل التيار الوطني الحرّ الذي على لسان جبران باسيل كان أعلن أنه لن يسمّي أحدًا في الاستشارات.

هنا لا بدّ من الاشارة، الى أنّ بعض المراقبين لم يستبعدوا أن يكون قرار الفجر الذي اتخذته “القوات” انعكاسًا لرغبةٍ “خليجيّةٍ” بعدم تأييد الحريري في المرحلة المقبلة، وهذا الرأي إذا صحَّ يكون قد شكَّل الضربة الثالثة لأن ترجمته الواقعية هي التهديد بحجب أيّ مساعدات عربية عن أي حكومة يرأسها الحريري وكيفما كان شكلها.

الضربة الرابعة، أتت من الحليف الأبرز والأقوى في الساحة السنيّة، أي الرئيس نجيب ميقاتي الذي اتهم الحريري بأنّه يخالف الدستور عبر طلبه تأجيل الاستشارات النيابية حيث قال حرفيًا، أنّ “مبررات الحريري غير مقبولة والرئيس ميشال عون لديه واجبات دستورية وما يحصل مرفوض على الأصعدة كلّها”. وهذا يدلّ على تباعدٍ كبيرٍ في الخيارات بين الرجلَيْن.

أما الضربة الخامسة، فجاءت من الشارع، بحيث تداعى المتظاهرون الذين يبدو أنّ اشتباكات اليومَيْن الماضيَيْن لم تنهكهم ولم توقفهم عن استكمال احتجاجاتهم ولكن هذه المرّة الوجهة كانت بيت الوسط، حيث انطلقت مسيرة من وسط بيروت تحت عنوان أساسي وهو رفض الحريري لتشكيل أي حكومة على وقعِ هتافات “سعد سعد سعد، ما تحلم فيها بعد”، كما لم يتوانَ هؤلاء في التعبير عن رفضهم سواء عبر مداخلاتهم التلفزيونية وعبر مواقع التواصل الاجتماعي معلّلين سبب رفضهم هو ترؤسه لحكومات فاشلة أوصلت البلد الى ما هو عليه من انهيارات سياسية واقتصادية مرتبطة بفساد المنظومة الحاكمة. وقد أدّى هذا الرفض الى سقوط مقولة، أنّ الحريري هو من يحرّك الشارع في سياق التجاذب بين أركان السلطة.

يضاف الى ذلك كلّه، موقف رئيس الجمهورية الذي عبّر عنه التيار الوطني الحرّ بعد ظهر يوم الاثنين نفسه حيث وجهت دعوة للحريري الى “العمل سريعًا لاختيار إسم يتوافق على جدارته وموثوقيته لتولي رئاسة الحكومة بحيث يقوم بالتشاور مع رئيس الجمهورية وبمساعدة ودعم الكتل البرلمانية بتأليف حكومة تضمّ وزراء لا تشوبهم شائبة فساد ويتمتعون بالكفاءة والجدارة، كما يشارك فيها أهل الجدارة من بين الحراك ليتحمل مسؤوليته في عملية الانقاذ بدل أن يواصل اهل السياسة استغلاله قمعًا أو تشجيعًا بحسب مصالحهم”.

وهكذا تكون الضربة السادسة، قد تحقّقت في اعلان فريق الرئيس عن تخليه عن شريكه في التسوية وفي الحكم. وبذلك كانت اثنتا عشرة ساعة كفيلة في احراق إسم سعد الحريري الذي سبق له أن قامَ بمناورات عدّة خلال الشهرين الماضيين وأن أحرق أسماء كثيرة في تقاطعٍ ملفتٍ بين جميع القوى المتنازعة سواء كانت في السلطة أو في الشارع.

ويبدو، أنّ أهم انجازات ثورة تشرين هو هذا الارتباك والتفكك والتضعضع في صفوف هذه المنظومة السياسية الحاكمة. وبخروج الحريري، يكون حزب الله قد خسر شريكًا وازنًا له في تحمّل أعباء ومسؤولية الانهيار الآتي. فعمَّن سيبحث الحزب في المرحلة المقبلة ليسانده في مواجهة التحولات السريعة التي فرضتها متغيرات 17 تشرين الأول؟

المصدر
lebanondebate
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى