
يرتدي الخلاف غير المعلن حول التشكيلات القضائية المنجزة أخيراً طابع الخلاف السياسي الحاد، على الرغم من كون هذه التشكيلات، وبالصورة التي أنجزت فيها والمعايير المعتمدة، تتناغم مع مطالب كل القوى السياسية، كما الشارع، والذين يطالبون بقضاء مستقل عن كل الإتجاهات السياسية، وقادرة على مواكبة الإصلاح المنشود في هذه الظروف الدقيقة على كل المستويات.
وتكشف مصادر نيابية معارضة، عن أن سبب هذا الخلاف قد بات واضحاً لدى المراقبين، وهو رغبة جهة حكومية فاعلة بإدخال تعديلات على قرار التشكيلات بعد دراستها بشكل أكثر تفصيلاً، وذلك لجهة مراعاتها المعايير التي سبق وأن تمسّك بها مجلس القضاء الأعلى، كما وزيرة العدل ماري كلود نجم، في أكثر من مناسبة.
وإذ تشدّد هذه المصادر، على أن انقلاباً واضحاً قد حصل بعد إنجاز التشكيلات من قبل بعض القوى السياسية، فهي تلفت إلى وجوب أن تبقى هذه التشكيلات بعيدة عن السياسة وتجاذباتها، لكي تكون المدخل الأول إلى الإصلاح الذي تشترطه الدول المانحة من أجل مساعدة لبنان.
وتضيف أن إبقاء هذه التشكيلات في منأى عن التدخلات السياسية، سيكون بمثابة المؤشّر والرسالة اللبنانية المباشرة باتجاه المجتمع الدولي، بأن الحكومة قادرة على الوفاء بالتزاماتها بتحقيق إستقلالية القضاء كون هذا الأمر هو البوابة إلى الشفافية المنشودة، خصوصاً وأن هذه الخطوة لا تتطلّب أية أكلاف مادية كما سائر الإجراءات الإصلاحية التي تستعدّ لها الحكومة.
إلا أن مشروع التشكيلات القضائية قد يكون توقّف حتى إشعار آخر، رغم أن القرار قد صدر بالإجماع عن أعضاء مجلس القضاء الأعلى، كما تشير الأوساط النيابية نفسها، حيث أن سلوكه المسار الصحيح من وزارة العدل إلى قصر بعبدا، ما زال معلّقاً بانتظار بلورة طريقة التعاطي معه، والتي تبدو غير منجزة، وبالتالي، تؤكد هذه الأوساط، أن التشكيلات هي خطوة قضائية تكرّس إستقلالية القضاء، ولذا، فإن أي تدخل مهما كان محدوداً من قبل القوى السياسية في القرار “القضائي” البحت، سيحمل رسالة سلبية إلى كل المعنيين اليوم بمواكبة الإستحقاقات الخطيرة التي يواجهها لبنان والشعب اللبناني بكل طوائفه وأحزابه، وليس فقط الحكومة الحالية.
في المقابل، توضح معلومات وزارية، بأن التشكيلات القضائية هي قيد الدراسة، وليست مجمّدة أو متوقفة، بصرف النظر عن كل ما يتم تداوله عن اعتبارات سياسية تحول دون إقرارها. وتشير إلى أن مشروع التشكيلات هو تحت المجهر، ولكن ليس بسبب وجود اعتراضات سياسية، ذلك أن التشكيلات القضائية هي ملف قضائي وليس سياسياً ولكن توقيعها واقرارها يبدأ من وزارة العدل، وبالتالي، فإن وزيرة العدل قد أعلنت منذ أسابيع إصرارها على أن لا تكون هناك أية تأثيرات سياسية على هذا الملف، وهي ستتّخذ قرارها النهائي انطلاقاً من هذه الخلفية، والتي تهدف إلى التأكيد على استقلالية ونزاهة القضاء من خلال اعتماد معايير الإنتاجية والشفافية بالدرجة الأولى.