
كشفت مواقف عدد من النواب أن الخلفية الطائفية والسياسية تغلغلت إلى موضوع فيروس كورونا ايضاً، أسوة بالكثير من المواضيع والملفات الخلافية.
لقد كان بائسا حقاً في مواجهة مشكلة وطنية بهذا الحجم، أن يستعيد بعض السياسيين مجددا حساسياتهم الطائفية الصغيرة، علما أن اداء وزارة الصحة في ظل الامكانات المحدودة والعجز الاقتصادي والضعف المؤسساتي كان محل تنويه من أوساط محايدة محلية ودولية. فالوزارة كانت تنسق منهجية إدارتها للأزمة لحظة بلحظة وفقا لبروتوكولات منظمة الصحة العالمية، في حين أن الانتقادات التي كانت توجه إليها كانت تستند إلى الانفعالات والاعتبارات السياسية، وعندما ذهبت وزارة التربية إلى إعلان إقفال المدارس والجامعات قامت قيامة البعض ولم تقعد لغاية في نفس يعقوب ليتبين لاحقاً أن خطوة الاقفال كانت في مكانها الصحيح، وعندما تدرج مجلس الوزراء في إجراءاته التصاعدية للحد من انتشار الفيروس جرى الهجوم عليه على قاعدة أنه يجب أن يحرق المراحل دفعة واحدة، علما أن رئيس الحكومة حسان دياب دعا اللبنانيين أمس إلى حظر تجول ذاتي، ليعقبه إعلان المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي اتخاذها إجراءات أكثر تشددا بحق المخالفين لقرار التعبئة العامة والملاحقة القضائية في حال الإصرار على المخالفة.
لم يكن هناك منطق في ما جرى على صعيد الاستنفار السياسي ضد “قرار العزل”، تقول أوساط سياسية محايدة، فما حصل مرده الاحتكام للتقاليد المقيتة التي سئم منها اللبنانيون، كل اللبنانيين الذين نزلوا إلى ساحات لبنان وشوارعه في تشرين الأول الماضي رفضا للطبقة الحاكمة وسياساتها ، وأخطر ما في الأمر تمثل بإثارة الحساسيات المناطقية بخلفيات مذهبية رداً على طروحات وزير الصحة حمد حسن في جلسة مجلس الوزراء عندما تحدث عن امكانية عزل بعض المناطق( جبيل وكسروان) خشية أن تتحول الى بؤر لتفشي الفيروس، إلى حد بات جليا أن الكثير من السياسيين موالاة ومعارضة لم تعد الأقنعة التي يرتدونها قادرة على إخفاء صورتهم الطائفية الحقيقية، مع العلم أن الكثير من البلديات على مستوى الجنوب والشمال والمتن والبقاع بدأت التحرك منذ يوم أمس لإجبار المواطنين على البقاء في منازلهم بالتوازي مع اتخاذها قرارات بشأن إقفال المناطق وعزلها عن محيطها في إطار مساعي الحد من الانتشار قدر المستطاع.
في الـ48 ساعة الماضية، ومع تفاقم المشكلة وبلوغ المرحلة الثالثة ذروتها بحسب تعبير وزير الصحة، وهي مرحلة ما قبل تفشي المرض، الأمر الذي يعني انفلاته من إمكانية السيطرة عليه، يبدو اللبنانيون جميعا امام مشكلة تستدعي وحدتهم اكثر من أي وقت مضى، فما سيواجهونه في الاسابيع المقبلة سيمثل لهم اختباراً غير مسبوق، يجب أن ينسوا معه انقساماتهم بين 8 و14 آذار، بين سلطة ومعارضة، وبين مناطق راقية واخرى معدمة، بين فقراء واغنياء؛ الجميع في مركب واحد. الكل يعني الكل من دون استئناء.
وعليه، يمكن القول إن اللبنانيين أمام مشكلة متشعبة، يتداخل فيها الكورونا الذي يستدعي حجرا منزلياً ومنعا ذاتياً للتجول، مع زيادة الركود الاقتصادي والأزمة المعيشية الصعبة وارتفاع صارخ في معدلات البطالة، مع أزمة السيولة التي تستدعي تصويبا لما يتم استيراده من الخارج، الأمر الذي يستوجب أن يكون الاداء السياسي والشعبي والرسمي لمرة واحدة مختلفاً عما الفه اللبنانيون طيلة الاعوام والعهود الماضية من أجل الخروج من هذه المرحلة بأقل الخسائر الممكنة، خاصة وأن الجميع يدق ناقوس الخطر ويدّعي انه يعي حساسية الاوضاع الراهنة على كل المستويات.