خاص الموقع

استراتيجية ايران، وأمل حزب الله في التعاطي مع الملفات اللبنانية والاقليمية بعد الحرب

في الوقائع:
– تركز ايران جهودها على الفصل بين النتائج الميدانية للحرب، وتداعياتها العسكرية على “محور الممانعة” الذي تقوده، والمتغيرات السياسية الجديدة التي أفرزتها في لبنان وسوريا والأراضي الفلسطينية من جهة، وبين الإصرار على الإبقاء على منظومات الأذرع التابعة لها تحت مسمى “المقاومة” من جهة ثانية. وتعمل ايران على ترميم هذه المنظومات واعادة بناء هرمياتها القيادية، وهيكلياتها التنظيمية، وبناها العسكرية، ومواردها الاقتصادية، وشبكاتها اللوجستية، وطرق امدادها، بعد الاستفادة من دروس الحرب.
– يتمسك حزب الله بناء على الاستراتيجية الايرانية المذكورة، بتفسيره الخاص لاتفاق وقف اطلاق النار وتطبيق القرار 1701 باعتباره يشمل المنطقة الجغرافية الواقعة الى الجنوب من نهر الليطاني. ولا يعترف حزب الله بتسليم سلاحه وتفكيك بنيته العسكرية والأمنية واللوجستية على بقية الأراضي اللبنانية.
– يترجم ثنائي أمل – حزب الله سياسيا في لبنان، الاستراتيجية الايرانية الجديدة، على قاعدة رفض الاعتراف بالهزيمة العسكرية، وعدم القبول بتغيير قواعد اللعبة السياسية الداخلية في ضوء هذه الهزيمة، من خلال انتخابات رئاسة الجمهورية، وتكليف رئيس جديد لتشكيل الحكومة، وتركيبة الحكومة الجديدة، ومن بعدها اعادة بناء الإدارة اللبنانية من خلال التعيينات الديبلوماسية والادارية والعسكرية والأمنية الواسعة التي ستتم نتيجة للشغور في هذه المواقع بفعل الفراغ الرئاسي على مدى أكثر من سنتين.

في القراءة والتحليل:
1- اعلاميا:
– يضخ الثنائي أمل – حزب الله من خلال ماكيناته الحزبية والنيابية والإعلامية معلومات مغلوطة لا تستند الى أية وقائع عن تفاهمات واتفاقات جانبية وسرية مع الجهات العربية والدولية الراعية للواقع اللبناني، بهدف التأثير المعنوي على معارضيه في الداخل اللبناني، لاعادة إحياء القواعد التي سبق له ان اعتمدها للإمساك بمفاصل الدولة وقراراتها السيادية، وللحفاظ على تحكمه ب”الدولة العميقة” ادرايا وأمنيا وعسكريا واقتصاديا وقضائيا الخ…
– يستفيد حزب الله اعلاميا ودعائيا للتسويق لنظرية “الانتصار”، من “مشهدية” استعراض حركة حماس لمسلحيها بعيد دخول اتفاق وقف اطلاق النار في غزة حيز التنفيذ، ومما رافق وأعقب المرحلة الاولى من تبادل الرهائن الاسرائيليين والفلسطينيين، من انتقادات اسرائيلية اعلامية واسعة لحكومة نتنياهو، واعتراضات سياسية داخلية وخلافات حزبية أدت الى انسحاب بن غفير ووزرائه من الحكومة، ونوابه من الائتلاف الحاكم الذي يقوده نتنياهو، والى استقالة رئيس الأركان هاليفي على خلفية اخفاقات الجيش الاسرائيلي في التعامل مع عملية 7 تشرين الأول / أكتوبر 2023.
– يواصل قادة حزب الله ونوابه ومسؤولوه التهديد بالعودة الى “المقاومة” حتى في جنوب نهر الليطاني في حال لم تنسحب اسرائيل من الأراضي اللبنانية بنهاية فترة الستين يوما التي ينص عليها الاتفاق. وبمعزل عما إذا كان حزب الله قادرا أو راغبا في العودة الى العمل المسلح ضد اسرائيل، وهو أمر يبدو مستبعدا وانتحاريا، فإن الثنائي أمل – حزب الله يتمنى تأخير الانسحاب الاسرائيلي ليعزز موقفه داخل الحكومة الجديدة من خلال استغلال عدم الانسحاب الاسرائيلي لتمرير صيغة تنص على أي شكل من أشكال “المقاومة” في البيان الوزاري، تمكنه في مرحلة لاحقة من تفسيرها والاجتهاد فيها على نحو يبرر من خلالها رفضه تسليم سلاحه وتطبيق القرار 1701، في تكرار لسيناريو ال 1559.

 

2- سياسيا:
– يلجأ ثنائي أمل – حزب الله الى عرقلة كل الاستحقاقات، كما حدث بالنسبة الى انتخابات رئاسة الجمهورية، وتسمية رئيس جديد لتشكيل الحكومة، وكما يفعل بالنسبة الى تشكيل الحكومة، وكما يتوقع أن يفعل في مرحلة اعداد البيان الوزاري، بهدف استدراج الجهات العربية والدولية الراعية للواقع اللبناني الجديد، والقوى السياسية والحزبية اللبنانية الى التفاوض مع الثنائي والتعامل مع شروطه، بمعزل عن النتائج، بهدف تأكيد دوره السياسي ومرجعيته كممر حتمي لا يمكن تجاوزه، في محاولة للحؤول دون انسحاب هزيمته العسكرية على التركيبة السياسية الجديدة، بما يمكنه من الاحتفاظ بالحد الأدنى من “الغطاء الشرعي” لدوره العسكري كعامل لا يمكنه من دونه التحكم بالحياة السياسية في لبنان.
– يسعى الثنائي امل – حزب الله من خلال العرقلة واستدراج الجهات العربية والدولية واللبنانية الى التفاوض، الى انتزاع اعتراف داخلي وخارجي بدور عامل موازين القوى الطائفية والمذهبية والسياسية، على حساب النصوص الدستورية والقوانين المحلية والدولية، ولا سيما قرارات مجلس الأمن الدولي.
– يعمل الثنائي أمل – حزب الله على استدراج خصومه الى لعبة المحاصصة الداخلية لتعطيل الدفع العربي والدولي الساعي الى اعادة بناء المؤسسات الدستورية للدولة اللبنانية على قواعد جديدة تضمن السيادة والاصلاح واعادة لبنان الى “النظام العالمي”، بعدما خطفته ايران وألحقته عنوة بال “منظومة الممانعة” التي تقودها في الشرق الأوسط لمنع قيام “نظام عربي” متماسك.
– يحاول الثنائي أمل – حزب الله اعادة استنساخ تجربة 2005، عندما استوعب تداعيات انسحاب الجيش السوري من لبنان بموجب القرار 1559، من خلال استدراج قوى 14 آذار الى “الحوار” واغراقها في “لعبة السلطة” على حساب “لعبة الدولة”. وقد نجح حزب الله، على مراحل ابرزها الاتفاق الرباعي عشية الانتخابات النيابية عام 2005، وحرب تموز 2006، و7 أيار واتفاق الدوحة، وفرض انتخاب العماد ميشال عون عام 2016، وقانون الانتخابات الاخير، في فرض قواعد اللعبة السياسية التي يريدها من خلال المحاصصات الطائفية والمذهبية والصراعات الحزبية على الاحجام، مما أدى الى الانهيارات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي يعاني منها لبنان.

3- استراتيجيا:
– سعت ايران من خلال توقيع اتفاق ل”الشراكة الاستراتيجية الشاملة” مع روسيا الأسبوع الماضي الى محاولة التعويض الجزئي عن خسائرها الاستراتيجية في الشرق الاوسط، لا سيما في سوريا ولبنان وغزة وغيرها. وهي تحاول من خلال هذا الاتفاق فك بعض من العزلة الدولية التي فرضت عليها في الأشهر الماضية، بعدما فقدت ورقة “شعرة معاوية الأوروبية” التي كانت تستخدمها للتخفيف من الضغوطات الاميركية عليها، وللحفاظ على خطوط تواصل وتفاهمات ضمنية ولو بالحد الأدنى مع المجتمع الدولي.
– تحاول ايران اعادة انتاج وصياغة دورها الإقليمي بالاستناد الى تنامي الدور التركي في سوريا. وتعمل على تقديم نفسها للعرب واسرائيل والولايات المتحدة الاميركية وأوروبا عامل توازن يحد من الاندفاعة التركية. وستلعب ايران على المخاوف العربية من ايديولوجية الاخوان المسلمين التي ترعاها تركيا، وتأثيراتها على دول الخليج العربي والأردن ولبنان بالإضافة الى سوريا، إن لم يكن لانتزاع دور مباشر يكرسها كلاعب أساسي في المنطقة، فعلى الأقل للتخفيف من الهجمة الاسرائيلية والأميركية عليها، وللحصول على تغاض عربي عن الاحتفاظ بدور لها في سوريا ولبنان والعراق.
– وفي ترجمة للاستراتيجية الايرانية المذكورة، يلعب الثنائي أمل – حزب الله على عامل الوقت، ويخوض قتالا سياسيا تراجعيا وتأخيريا في لبنان، على أمل حدوث متغيرات اقليمية ودولية تحوّل الاهتمام عن الملف اللبناني، وتسمح له بالاستفادة منها لوقف الاندفاعة العربية والدولية الهادفة الى ارساء قواعد ثابتة لتغيير حقيقي على حسابه في لبنان. ولعل ابرز ما يراهن عليه الثنائي أمل – حزب الله، ومن خلفه ايران، هو “المعارك” و “الضغوطات” التي يخوضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الجبهات الصينية والروسية والاوكرانية والكندية وفي القارتين الاميركية والأوروبية بهدف تعزيز النفوذ الأميركي في العالم. تأمل إيران أن تؤدي هذه المعارك الى تخفيف الاهتمام الاميركي بالشرق الاوسط، وتحويل الأنظار الأوروبية والعربية عنه، وزيادة الضغط على اسرائيل لمنعها من المضي قدما في سياساتها الهادفة الى فرض واقع يناسبها في المنطقة بمعزل عن رؤية ترامب للسلام في الشرق الاوسط.

الخلاصات والاستنتاجات والتوقعات:
– لبنان أمام صعوبات ومطبات كثيرة، والمعركة السيادية لم تحسم بعد.
– القوى السياسية والحزبية اللبنانية أمام تحديات وأفخاخ خطيرة، والاتكال على الاندفاعة الدولية لوحدها، وعدم مواكبتها بدينامية داخلية تعمل على الموجة الخارجية ذاتها، والانجرار الى لعبة المحاصصة والتسويات مع حزب الله ستنسف كل المكاسب وتطيح بكل الفرص وتغلق كل الابواب التي فتحت للخروج من الأزمة.
– تلويح ثنائي أمل – حزب الله بالمواجهة والتسبب بصدامات داخلية، ما لم يتم الرضوخ لشروطه، لا يعدو كونه تهويلا غير قابل لتحقيق أهدافه. فأي مواجهة داخلية يتسبب بها الثنائي لن تكون هذه المرة مع الفرقاء اللبنانيين، بقدر ما ستكون مواجهة مباشرة مع المجتمعين العربي والدولي، وهو ما سيشكل ضربة قاضية للثنائي لن يغامر بالوصول اليها.
– سبق لسياسة الهروب من المواجهة منذ العام 2005، تحت شعار الحفاظ على الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي، أن أدت الى نتائج عكسية ترجمت بالانهيارات السياسية والأمنية والاقتصادية والمالية والنقدية المدمرة التي يعيش لبنان تداعياتها اليوم.
– ضرورة كسر احتكار الثنائي أمل – حزب الله للتمثيل الشيعي حكوميا، لئلا يكون ذلك أساسا للإبقاء على هذا الاحتكار في الانتخابات النيابية المقبلة، مما يبقي لبنان تحت رحمة المشاريع الإيرانية.
– أي حل مستدام يجب أن يمر حكما بالغاء مفاعيل اتفاق الدوحة، والعودة الى تطبيق اتفاق الطائف على حقيقته، واحترام النصوص الدستورية حرفيا، والتخلي عن كل أشكال الأعراف التي حاول الثنائي أمل – حزب الله فرضها بذريعة تفسيراته للميثاقية، والالتزام الكامل بالشرعية الدولية من خلال التنفيذ الدقيق لقرارات مجلس الأمن الدولي الخاصة بلبنان، لا سيما القرارات 1559 و 1680 و 1701.
– لن يكون الثنائي أمل – حزب الله قادرا على مواجهة حكومة متوازنة طائفيا ووطنيا، ولو لم يرض عنها… فالدينامية النيابية والشعبية والعربية والدولية التي أوصلت العماد جوزاف عون الى رئاسة الجمهورية، والقاضي نواف سلام الى رئاسة الحكومة، ستكون كفيلة بتأمين الغطاء المطلوب للحكومة… وسيجد الثنائي أمل – حزب الله نفسه أمام أمر واقع لن يتمكن من تغييره ولو واجهه بالقوة. فحتى لو سقطت الحكومة فإنها ستصبح حكومة تصريف أعمال تتولى السلطة عمليا حتى تشكيل حكومة جديدة… وفي الانتظار، ولأن موازين القوى الإقليمية والدولية لا تتغير بين ليلة وضحاها، فسيتعاطى المجتمعان العربي والدولي مع الحكومة المستقيلة كحكومة شرعية كما تعاطى مع حكومة ميقاتي… وسيجد الثنائي أمل حزب الله نفسه في عزلة محلية وعربية ودولية تسبب بها لنفسه مما سيزيد من نقمة بيئته خصوصا واللبنانيين عموما عليه.
– بناء دولة يتطلب رجال دولة … لا تجار سياسة!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى