ثقافة وحوار

ليـــلــة الــقــدر للمحاسبــة والامـــل

بقلم: المحامي عمر زين
* الأمين العام السابق لإتحاد المحامين العرب
* عضو الهيئة العامة للمركز الثقافي الاسلامي

بسم لله الذي خلق الأيام والليالي، وجعلها تمضي كالخيال، وهو الحيّ الباقي، وقد بقي لنا بضع ليالٍ من شهر الخير والبركة، ومن بين تلك الليالي، ليلةٌ عظيمةٌ عظّم الله شأنها، فكانت خيرٌ من ألف شهر، خيرٌ من ثلاثين الف يومٍ وليلةٍ، خيرٌ مما يزيد عن ثلاثٍ وثمانينَ سنة ليس فيها تلك الليلة، الا وهي ليلة القدر.
فما هو المقصود بالخير المتعلق بتلك الليلة؟ وما يُميّز تلك الليلة عن غيرها من الليالي في الخير؟ قال العلماءُ وكثيرٌ من المفسرين: هي خير عمل، أيّ إن العمل فيها خيرٌ من العمل في ألف شهر ليس فيهم ليلة القدر.
وقد أخفى الله عزّ وجلّ عن الناس موعدها وذلك لحكمةٍ جليلةٍ عسى لو نعيها ونفهمها، الا وهي الاجتهاد في العمل طوال ليال شهر رمضان، حتى إذا صادفت في أيّ من لياليه كان للمؤمن نصيبٌ منها. ومع ذلك فقد جاء في الصحيحين عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: “التمسوها في العشر الأواخر من رمضان” فأكثر ما يُصادف وقتها في آخرعشرة أيّامٍ من الشهر المبارك. وقد جاء عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم أنّه كان يجتهد فيها ما لا يجتهد في غيرها من الليالي، فحريّ بنا أن يكون لنا في النبيّ صلى الله عليه وسلّم أسوة فنعمل بكل جهدٍ وبلا كللٍ ولا مللٍ، وما أحوجنا اليوم الى العمل الدؤوب النافع للنهوض من كبوتنا ونرفع من أمّتنا.
فيا لها من خسارة أن تمر علينا هذه الليلة ونحن كسالى، ويا لها من خسارة أيضاُ أن تمر علينا ونحن سباتا، ويا لها من خسارة أيضاً أن تمر علينا سدىً ونحن ذهولا، نبذّر الوقت فيما لا منفعة ولا خير فيه، فنُحرم من خيرها وبركتها.
هلمّ بنا نعمل ولنضع أمام أعيننا القاعدة الرباعيّة للعمل: عملاً ينفعنا ولا يضرّ بغيرنا، أو عملاً ينفع غيرنا ولا يضرّ بنا، أو عملاً يدفع عنا أو يدفع عن غيرنا، وأمّا أفضل الأعمال في تلك الليلة فهو الصلاة والدعاء، فقد جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الدعاء مخّ العبادة” وفي رواية: “الدعاء هو العبادة”.
فلا تفرّط أيّها المؤمن بالدعاء، ادع الله وابتهل، ادع لنفسك، لأهلك، لوطنك ولأمّتك، وليسأل كلّ منّا نفسه ماذا قدّم من عملٍ مفيدٍ لوطنه ومجتمعه، كم من مسكين أعنّا، وكم من فقيرٍ دعمنا، وكم من جائعٍ أطعمنا، وكم في حاجة أخٍ مشينا، وكم من مشرد فكرٍ أرشدنا، كم من لحظة فرحٍ نشرنا، وكم من باقة أمل نشرنا، فليراجع كلّ منا عمله وليغتنم ما تبقى له من عمره من أيّامٍ وليالٍ بالعمل الإيجابي الذي يوفّر المصلحة والفائدة للمجتمع، سواء من الناحية الإجتماعية أو الإقتصادية أو البيئية، فمصلحة الجماعة مقدمّة على مصلحة الفرد، بل إن مصلحة الفرد تتحقق بتحقق مصلحة الجماعة.

المحامي عمر زين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى